مالك بن دينار أبويحيى البصري الزاهد عَلَمُ العُلَمَاءِ الأَبْرَارِ، مَعْدُوْدٌ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ، كان عالما زاهدا كثير الورع قنوعا لا يأكل إلا من كسبه، وكان يكتب المصاحف بالأجرة.
يقول مالك عن نفسه كنت شرطيا وبدأت حياتي ضائعا سكيراً عاصيا .. أظلم الناس وآكل الحقوق و أضرب الناس وافعل المظالم ... في يوم من الأيام اشتقت أن أتزوج ويكون عندي طفله فتزوجت وأنجبت طفله سميتها فاطمة أحببتها حباً شديدا وكلما كبرت فاطمه زاد الايمان في قلبي وقلت المعصيه في قلبي ولربما رأتني فاطمة أمسك كأسا من الخمر فاقتربت مني فازاحته وهي لم تكمل السنتين .. وكأن الله يجعلها تفعل ذلك وكلما كبرت فاطمه كلما زاد الايمان في قلبي .. وكلما اقتربت من الله خطوه كلما ابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي حتى اكتمل سن فاطمه ثلاث سنوات فلما اكملت الـثلاث سنوات ماتت فاطمه .
يقول: فانقلبت أسوأ مما كنت ولم يكن عندي الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على البلاء فعدت أسوا مما كنت وتلاعب بي الشيطان حتى جاء يوما فقال لي شيطاني : لتسكرن اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل!! فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب فرأيتني تتقاذفني الأحلام .. حتى رأيت تلك الرؤيا ، رأيتني يوم القيامه وقد أظلمت الشمس .. وتحولت البحار إلى نار.. وزلزلت الأرض ... واجتمع الناس إلى يوم القيامه والناس أفواج وأفواج وأنا بين الناس وأسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان هلم للعرض على الجبار يقول: فأرى فلان هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شده الخوف حتى سمعت المنادي ينادي باسمي .. هلم للعرض على الجبار يقول: فاختفى البشر من حولي (هذا في الرؤيه) وكأن لا أحد في أرض المحشر ثم رأيت ثعبانا عظيماً شديداً قويا يجري نحوي فاتحا فمه. فجريت أنا من شده الخوف فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاًً فقلت : آه: أنقذني من هذا الثعبان فقال لي: يابني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن إجر في هذه الناحيه لعلك تنجو ، فجريت حيث أشار لي والثعبان خلفي ووجدت النار تلقاء وجهي فقلت: أاهرب من الثعبان لأسقط في النار فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب ، فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني أنقذني .. فبكى رأفة بحالي وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك .
قال فنظرت إلى جبل مستدير من فضة وفيه كوى مخرمة وستور معلقة على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر مفصلة باليواقيت مكوكبة بالدر على كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربا والتنين من ورائي حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه فإذا الستور قد رفعت والمصاريع قد فتحت فأشرف علي من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار وقرب التنين مني فتحيرت في أمري فسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يافاطمه أدركي أباك أدركي أباك !.
يقول: فعلمت أنها ابنتي ويقول ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها ثلاث سنوات تنجدني من ذلك الموقف فأخذتني بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شده الخوف ثم جلست في حجري كما كانت تجلس في الدنيا وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي وقالت يا أبت وقالت: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16).
قلت: يابنيتي .. أخبريني عن هذا الثعبان!! قالت هذا عملك السئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك .. أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامه..؟
قلت:وذلك الرجل الضعيف؟ ، قالت ذلك العمل الصالح .. أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاً ولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيره ماكان هناك شئ ينفعك يقول: فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: قد آن يارب.. قد آن يارب, نعم ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله يقول: واغتسلت وخرجت لصلاه الفجر أريد التوبه والعوده إلى الله يقول: دخلت المسجد فإذا بالامام يقرأ نفس الاية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله.
المرجع :كتاب التوابين لابن قدامة , والكبائر للذهبي ، وكتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر.
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ